Category Archives: العلم

البيجامة: قل كل يعمل على شاكلته

 

قوله تعالى : “قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا”

بالنسبة لي هذه الآية تعني الكثير .. وأراها من أكثر آيات القرآن تخويفا .ورجاءا في ذات الوقت .. وأكثرها في نفس الوقت حثا على العمل الصالح …

مع ما قاله المفسرون أولا فيها ..

من تفسير القرطبي:
قوله تعالى : قل كل يعمل على شاكلته
قال ابن عباس : ناحيته . وقاله الضحاك .
مجاهد : طبيعته . وعنه : حدته .
ابن زيد : على دينه .
الحسن وقتادة : نيته .
مقاتل : جبلته .
الفراء : على طريقته ومذهبه الذي جبل عليه .
وقيل . قل كل يعمل على ما هو أشكل عنده وأولى بالصواب في اعتقاده .
وقيل : هو مأخوذ من الشكل ; يقال : لست على شكلي ولا شاكلتي . قال الشاعر :

كل امرئ يشبهه فعله ما يفعل المرء فهو أهله

والمعنى : أن كل أحد يعمل على ما يشاكل أصله وأخلاقه التي ألفها ، وهذا ذم للكافر ومدح للمؤمن

وقال البغوي:
وقيل : على السبيل الذي اختاره لنفسه وهو من الشكل يقال : لست على شكلي ولا شاكلتي وكلها متقاربة تقول العرب : طريق ذو شواكل إذا تشعبت منه الطرق . ومجاز الآية : كل يعمل على ما يشبهه كما يقال في المثل : كل امرئ يشبهه فعله

وفي التفسير القيم لابن القيم:

معنى الآية: كل يعمل على ما يشاكله ويناسبه ويليق به، فالفاجر يعمل على ما يليق به، وكذلك الكافر والمنافق ومريد الدنيا وجيفتها: عامل على ما يناسبه ولا يليق به سواه، ومحب الصور: عامل على ما يناسبه ويليق به.

فكل امريء يهفو إلى ما يحبه وكل امريء يصبو إلى ما يناسبه
فالمريد الصدق المحب لله: يعمل ما هو اللائق به والمناسب له، فهو يعمل على شاكلة إرادته وما هو الأليق به، والمناسب لها.
والنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار، فالنفس الشريفة العلية لا ترضى بالظلم ولا بالفواحش ولا بالسرقة والخيانة؛ لأنها أكبر من ذلك وأجل، والنفس المهينة الحقيرة الخسيسة بالضد من ذلك، فكل نفس تميل إلى ما يناسبها ويشاكلها.

وهذا معنى قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه}، أي على مايشاكله ويناسبه، فهو يعمل على طريقته التي تناسب أخلاقه وطبيعته، وكل إنسان يجري على طريقته ومذهبه وعاداته التي ألفها وجبل عليها.
فالفاجر يعمل بما يشبه طريقته من مقابلة النعم بالمعاصي والإعراض عن المنعم، والمؤمن يعمل بما يشامله من شكر المنعم ومحبته والثناء عليه، والتودد إليه والحياء منه، والمراقبة له وتعظيمه وإجلاله.

انتهى كلام ابن القيم

جاء في أحد تفاسير الشيعة “الباقر”
فإذا كانت عقيدة الانسان صائبة ومطابقة للواقع كان طريق حياته صائباً أما إذا كانت عقيدته فاسدة باطلة أضل طريقه من هنا نفهم أهمية العقيدة التي تعني الإحكام والشدّ والربط فإعتقاد الإنسان بأي نظرية ما يعني شدّ هذه النظرية إلى الذهن وربطها به وإحكام صلتها وبالتالي إنعكاسها على واقع حياته وتشكل عمله وفقها
ومن خلال هذا ندرك لماذا اهتم الإسلام بالعقيدة وجعلها المعيار لتقييم الأعمال فأول ما يُسأل الإنسان بعد موته ودخوله عالم الآخرة هو عقائده وبعدها يتم التدقيق في ملف أعماله
يقول الإمام الباقر (ع) :” لا ينفع مع الشك والجحود عمل ”
يعني أن صحة العمل وترتب الأثر عليه مرهون بصحة عقيدة العامل لأن العقيدة هي التي تثير في الإنسان الدافع للعمل والدافع هو الذي يوجه العمل وكلاهما الدافع والوجهة يحددان مفهوم العمل ومعناه وقيمته

ويقول سيد قطب رحمه الله :
يقرر السياق أن كل فرد وكل فريق يعمل وفق طريقته واتجاهه ; والحكم على الاتجاهات والأعمال موكول لله: (قل:كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا)
وفي هذا التقرير تهديد خفي , بعاقبة العمل والاتجاه , ليأخذ كل حذره , ويحاول أن يسلك سبيل الهدى ويجد طريقه إلى الله

وفي وجهة نظري والتي أستشعرها في حياتي :

أن كل واحد مننا يتحرك وفقا لشاكلته “عقيدته ونيته وتوجهه وتربيته وصحيته” ليشكل ما هو عليه فيشكل “شاكلته” التي تمثل ما هو وتمثل صحيفته التي سيقابل بها الله يوم القيامة …
فكل حركة وكل فعلة وكل كلمة وكل جهد تصنعه وكل فكرة تقتنع بها وتعمل لها يشكل ما هو أنت .. فإن خيرا .. كانت شاكلتك الخير .. وإن شرا كانت شاكلتك الشر … وأينما تحركت وجدت من يعينك على هذا أو ذاك من شاكلتك التي اخترتها .. ولذلك تعرف المرء من إخوانه وأقرانه، وتعرفه من إنجازاته وتعرفه من كلامه وأفكاره…

نسأل الله التوفيق والسداد، وأن تكون شاكلتنا هي شاكلة النبيين والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين والصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين …

البيجامة: التنافر المعرفي – الفصام النكد

يجب أن تتوافق حياتنا الشخصية ممارساتنا مع ما نعتقده … وما ينتج عن عدم التوافق بينهما يصيب المرء بالتنافر المعرفي او الانفصام المعرفي، أو ما سماه الأستاذ سيد قطب “الفصام النكد” وهو يتمثل في الفجوة التي ظهرت في المجتمع بين حقيقة المعتقد والممارسة.
عندما ننظر للمجتمع المصري، ونتفهم أن معتقده هو الدين الإسلامي تجد الكل يعتقد أنه يؤمن بمنهج الحياة كما جعله الله، وهذا ما نقرأه في الكتب، ونسمعه من على المنابر
والفصام النكد يتمثل في حقيقة ما نعيشه ونمارسه في حياتنا .. فكثير من ممارساتنا اليومية يصير فيها المنكر معروفا، والمعروف منكرا …
وكذلك قال محمد عبده، وتبعه فيها محمد الغزالي، في بلاد المسلمين رأينا مسلمين ولا إسلام .. وفي أوروبا رأينا إسلام ولم نر مسلمين..
ولذلك حذرنا الله عز وجل من اتباع سبل غير المؤمنين .. والاستمرار في التواجد في ولايتهم وصحبتهم وهم يخوضون في المنكر … “والمنافقين والمنافقات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمنكر وبنهون عن المعروف” ..
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ..

البيجامة: الوعي بين العقل والقلب


مشكلة وعينا بالحياة أننا حصرناه في المنطق والعقل فقط .. بينما مهمة العقل ليست الوعي .. ولكن الحفاظ على المعلومات والتنسيق بينها.. أما الوعي فهو مهمة القلب .. القلب هو ما يتحكم في العقل وتدفق معلوماته، واتخاذ قراراته .. القلب هو مفتاح البصيرة ., والبصيرة عملية روحية .. وهي وظيفتها في الأصل توجيه وحماية العقل ووعيه ..
ما تراه أعيننا وتدركه حواسنا مدخلات لقلوبنا .. وهي ليست الحقائق كاملة، لأنها فقط ما نعيه من الواقع المادي، وقلوبنا تتعود على المعلومات التي تستقبلها فتقر ما تعتاده.. وترفض ما تجبره وتجبله على رفضه .. وتبني في عالم عقلك ووعيك معاني حول ما تقره ما ترفضه، وتدخل هذه المعلومات بمعانيها لتستقر في وجدانك وعقلك الباطن … وتستدعيها فتأتي لك بمعانيها التي تشكلت بها …
مثلا .. ترى صورة رجل يضرب ولدا ..
فيتقبل قلبك الوضع ويعتبر أنه حق مشروع للأب لأن الولد يحتاج رباية .. وتضع صورة إيجابية عن هذه الصورة، وتعتبر أن ضرب الوالد لابنه جائز وايجابي … فيكرره وربما يستعيه عندما يأتي له الولد ..
أو لا يتقبل قلبك هذا الوضع، ويعتبره إهانة لانسانية الولد، ويعتبره تجاوزا وعنفا، ويكره ما يرى بقلبه، وقد يتجاوز ذلك فيتحرك لسانه أو ليمنع بيده .. ويحمي الولد، وتدخل هذه الصورة بمعنى سلبي في وجدانه، ويرفض ويتحرك لها كلما رأى مثل هذا المشهد..

وذلك يعتمد على فعل القلب في توجيه المعلومة .. وليس فعل العقل في منطقة المشهد ..

وكذلك .. فعندما تحول الايمان من الممارسة والفعل إلى كتب العقيدة وحفظ متونها، امتلأ المشهد بحفاظ المتون، والمحاججين في المذاهب العقدية، ومقارنات الأديان، ولكن عندما جاء المحك العملي لممارسة الايمان وامتحانه في الفتن والمشاهد ارتبكت حواسهم وأعمالهم، فقلوبهم لم تكن مدربة على البصائر، ولم يكن لهم مرشد وفرقان ومحك عمل واختبار ..

وللأسف إذا أنكرت مشهدا بقلبك مرة، ثم عاودت التعامل مع هذا المشهد، فألفته نفسك، حتى مع معناه السلبي، يقل إنكار المنكر في قلبك ويخفت مع الوقت، وتخبو معاني الانكار ويتقبل عقلك اللا واعي هذا المشهد، قد لا ترضى أن تكون بطل المشهد، ولكن لن تمانع استمراره، ومثال لذلك، تعودنا على رؤية القتلى في فلسطين وغيرها، والجوعي الفقراء في الدول المصابة بالمجاعات، والعراة السكارى في الأفلام، وتداول التدخين والشيشة والحشيش بين الشباب، وانتشار الألفاظ القبيحة والأباحة بين الناس، وغيرها من المشاهد التي تصير إلفا للباطل مع الوقت…

ولذلك فعلى من يريد حماية وعيه، ,وتحسين اختياراته وأفهامه، أن يطهر قلبه وأن يدربه على الاختيار الصحيح وحماية عقله الباطن وما يحويه .. ومعايشة صحبة مؤمنة تعينه وتبصره …

وقد رتب الله مهمة رسله وأنبياءه أن تزكية الناس أولا، ثم يعلموهم الكتاب والحكمة … “ويزكيهم ويعمهم الكتاب والحكمة” بالرغم من أن دعوة ابراهيم وفهم معظم الناس أن المشكلة الأساسية الجهل، عندما طلب ترتيبا “يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم” ولكن المشكلة الأكبر هي ترتيب العلم بشكل خاطئ، والابتعاد عن التزكية وتغييب الوعي، فلا ينفع العلم وكثرته مغيب لا بصيرة له …

حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم:
“تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب رفضها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصبح القلوب على قلبين: قلب أبيض خالصاً، وقلب أسود مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً”
قوله تعالى: “ولذلك فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور” ..
“واتقوا الله ويعلمكم الله” ..
“ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم”

عندما نطهر قلوبنا .. ونبتعد عن الفتن، ونجلي بصائرنا .. سنعي جيدا وسيهدينا الله للفهم الصحيح والوعي الدقيق بما يحدث حولنا من حوادث وأشهاد..

البيجامة: أحلام محظورة – 5

كان يوما شديد الحرارة، الرطوبة عالية والجو خانق، مسافة أن خرجت من منزلي لأستقل الحافلة (الباص) متوجها الى العمل، كنت قد بدأت في التعرق، ولكن شكرا لمكيفات الجو، وممصات العرق المصممة داخل القميص، لم أشعر الا بحر الشمس يلفح وجهي وبحبات العرق تخرج من وجهي، لتمتصها أشعة الشمس في التو واللحظة.

أعبر الطريق، فأقف على أول مكان عبور المشاة في وضع الاستعداد، ما هي الا دقيقة وتستجيب الاشارة لوقفتي فتوقف السيارات العابرة لأعبر الطريق، سائقي السيارات كلهم يستجيبون ويقفون خلف الخط لأعبر بسلام ويعبر معي بعض من تجمعوا عند نفس المعبر خلال انتظار تلك الدقيقة

أصوات أقدام الناس كصوت وقع خطوات كتيبة منظمة من المشاة في جيش منظم، صوت اعتدته بشكل يومي لا يكسره سوى صوت العزف الجميل الذي أسمعه قرب المحطة الذي يعزفه أحد الفنانبن الهواة في تجاربه لاسعاد الجمهور في الصباح وأخذ رأي الناس فيما يقدم في طريقه للارتقاء بمستواه ليصبح محترفا، وهذا الصباح انه رابح، ابن جاري محمد، بآلة العود المحببة الى قلبي، يعزف مقطوعة جميلة، وقد ارتقى مستواه كثيرا خلال الأسبوعين الماضيين

للأسف اللحظات الجميلة تمر سريعا، فقد جاء الباص، واضررت لركوبه و ترك هذا العزف الجميل لأدرك عملي، وقد جاء في موعده اليومي المعتاد، بالغد ان شاء الله سوف أنزل باكرا للحاق بعزف رابح والاستمتاع به قليلا قبل الذهاب الى العمل

الكل متأنقون اليوم، فهو يوم مميز، هو يوم العلم وتكريم العلماء، فحركة النهضة في بلدنا بدأت على أيديهم بعد استدعائهم من الخارج وتسخير الامكانيات المتاحة لتحقيق مشروع النهضة على أسس علمية، و لم يتأخر منهم أحد بالرغم من ضعف الامكانيات في ذلك الوقت، لايمانهم العميق بجدية الناس في ارادة العلم كأولوية لقيادة النهضة، ولا عجب، فمعظم الهيئات الآن الحكومية و الخاصة، فيه علماء يقومون بالأبحاث وتطوير الآداء العملي لهذه الهيئات وهم أساتذة فاضلون يحبهم الناس وسيتم تكريمهم اليوم

حقا لقد عدنا للأفضلية … بعد أن وعينا الأمر الأول “اقرأ”

البيجامة: الخطاب الديني – الخطب المنبرية – 15 – المشكلات والتحديات التي تقابل الدعاة

المشكلات والتحديات التى تقابل الدعاة إلى الله :

  1. مشكاة العلم
  2. الحداثة
  3. التواصل مع الناس
  4. القابل المادي
  5. الوجاهة الإجتماعية
  6. التكنولوجيا و التعامل معها
  7. الإعلام
  8. البحث العلمي
  9. الضغوط الأمنية
  10. ضغوط الجماعات و التيارات الإسلامية
  11. ضغوط الأهالي و ما يطلبه المستمعون
  12. الحرية
  13. الدافع والمحثي الذاتي أو الشخصي
  14. الجمود الروتيني والاداري

 

لا نستطيع التحدث عن إصلاح الخطاب الديني بمعزل عن الدعاة الذين هم أساس هذا الخطاب وحملته . هناك مشكلات كثيرة في المنظومة التي تحمل مشكاة خطاب الدعوة إلى الله تحتاج إلى العلاج ، وإذا نظرنا بدقة إلى حال الدعاة إلى الله نجد أنهم أنفسهم ضحايا Read the rest of this entry

البيجامة: الخطاب الديني – 13 – وقفات (منقولة بتصرف)

وقفة:

يقول مينا ناجي – مقالات لاهوت التحرير مخاطبا أهل الخطاب الديني المسيحي “أن تحرير الإنسان لا يتم من خلال ممارسة طقوس معينة يقوم بها الفرد بطريقة آلية ولكن عبر ربط هذه الطقوس وهذه المعتقدات بالواقع الذى يعيش فى عالمنا، وذلك بالتضامن مع أخوتنا فى الإنسانية قبل أن نتحدث عن أخوتنا فى الدين وأخوتنا فى الوطن. فالحرية لا تتجزأ والعدالة لا تكتمل إذا حصرناها فى شعب معين أو جنس معين حتى لو كان الشعب المختار“/”الأمة المختارة“.

الإنسان الذى يحمل وديعة الإيمان، الذى يؤمن بالله، القوة الخالقة اللانهائية، لابد أن يكون بطبيعة الحال متخطياً للإمكانات العادية والظروف المادية التى تحيط به. يتلخص هذا التخطى فى العمل البشرى وإنفتاحه إن كنتم تحبون من يحبكم، فأى أجر لكم؟” انتهى كلامه

وتحقيق هذا الكلام من ناحية عقيدتنا كمسلمين، أن الله هو القوي الخالق الأول الذي لا شئ قبله، والآخر الذي لا شئ بعده، وأتفق معه على جوهر الرسالة لدعاة وحاملي الدين الاسلامي

وقفة أخرى

مازلنا ننصت بسكون لصوت الدين

بقلم سامح فاروق جويدة ٥/ ٥/ ٢٠٠٨ (المصري اليوم) http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=103911

وسط هذا الكم الهائل من المتناقضات والمتغيرات، التي نعيشها الآن بلا منطق، كثيرا ما نصاب بالحيرة والارتباك، ونفقد القدرة علي التمييز بين الصواب والخطأ وبين النجاح والفشل، اهتز العديد من الثوابت وفقدنا الثقة في الكثير من الحقائق، فليس كل من زرع حصد، ولم يعد من الصعب أن تخدع كل الناس كل الوقت. أسماء وشخصيات وحوادث وحكايات يومية تؤكد أن كل ما تعلمناه بعيد عما نعيشه، لتظل صورة المجتمع المصري الكريم العفيف المترابط مثل المدينة الفاضلة نسمع عن قصصها من الآباء والأجداد، ولا نري منها شيئا، وما بين الملكية والثورة والانفتاح وخطط الإصلاح الاقتصادي ضاع العديد من الثوابت الأخلاقية والاجتماعية التي شكلت المصريين لقرون عديدة «كما سمعنا»، ورغم صعوبة تحديد أسباب التحول بدقة يظل هناك بعض الأمل في إعادة تلك القيم والثوابت إلي حياتنا وأعمالنا ومجتمعنا.

أعتقد أن إعادة تلك المعايير لحياتنا اليومية في جانب منها هي مسؤولية المؤسسات الدينية في مصر، فرغم كل ما غيره الزمان فينا لانزال ننصت في سكون وخضوع إلي صوت الدين خاصة لو اقترن بالموضوعية وخلا من الأهداف المركبة، هذه المسؤولية تقتضي التزام مؤسساتنا الدينية بالعديد من الأهداف، التي لو نجحت فيها وساعدها الإعلام والمثقفون في تحقيقها فسوف يكون دورها عظيما في إعادة الروح لهذا المجتمع ورسم ملامح أفضل لأبنائه.

أتصور أن البداية هي ابتعاد المؤسسات الدينية عن التوجهات الحكومية قدر الإمكان وعدم الدخول في متاهات ومهاترات التيارات السياسية والاقتصادية لرجال الدولة، فلن تستطيع تلك المؤسسات بكل ما تحمله من تاريخ مشرف، أن تصل لأفراد هذا الشعب، وتتواصل معهم وتؤثر فيهم إلا ونحن مقتنعون تماما بأن كل ما تقوم به لوجه الله فعلا، ويجب علي الدولة أن تعطي لتلك المؤسسات مساحة أكبر من الحرية وأن تعطيها من الصلاحيات والمقومات المالية ما يضمن قدرتها علي الاستمرار بعيدا عن سيطرة الحكم، وأعتقد أن المشاكل والقضايا التي خلقها ضعف الوعي الديني واستغلال العديد من الشباب في ضرب المجتمع باسم الدين الإسلامي أو المسيحي سوف تدفع الدولة عاجلا أو آجلا إلي إعادة النظر في دور تلك المؤسسات، وفي أهميتها للمجتمع كجهات للتنوير وللتوازن الاجتماعي الحقيقي، وليس المرسوم في خارطة الطريق.

علي تلك المؤسسات الدينية ورجالها أن يكونوا أكثر ترفعا في الدخول في المعارك الفكرية أو الإعلامية مع بعضهم أو مع الآخرين لأنهم أكبر من ذلك يجب أن يعود للحوار الديني هدوؤه ومنطقيته وسماحته المعهودة وأن نبعده قدر المستطاع عن ضجيج الصراخ والتجاوز ولوائح الاتهامات المتبادلة، ولنفصل بين صفات الدعاة كبشر مثلنا وبين ما يدعون إليه، «فالكمال لله وحده»، وما يثيره بعض رجال الدين من هجمات ضد بعضهم والحديث عن سوء المقاصد وزيادة الغنائم لن ينفعهم، ولن ينفعنا، بل علي العكس يشمل ضرره المجتمع كله.

إن الخطاب الديني واسع وشامل فلنختر ما نتفق عليه، ولنبتعد عن مواضع الخلاف الفرعية أو السطحية، ولنقترب أكثر من المشاكل الواقعية التي نعاني منها، ولنعلن بموضوعية عن رأي الدين في الغلاء والاحتكار والفساد والرشوة واستغلال النفوذ و.. إلخ، ولنحاول أن نوجه المجتمع نحو رفض تلك النماذج التي تضخمت وتسيدت مجتمعنا، ولن نختلف في ذلك.

علي الإعلام أن يبتعد عن تضخيم الخلافات الدينية والعقائدية، وألا يستغل هذه الخلافات أو يعمقها بهدف كسب المزيد من المشاهدين أو القراء، فمصر والحمد لله لا يخلو فيها موقع من الفساد أو التلاعب أو المشاكل، فغضوا البصر قليلا عن الخلافات الدينية وعن استغلال رجال الدين في خلق قضايا فرعية وسطحية وأحيانا ساذجة.

هذا الدور الذي نتطلع إليه يحتاج إلي أسلوب جديد في طرح الرؤية الدينية، أسلوب يعتمد بشكل أكبر علي تحليل الواقع بسلبياته وإيجابياته وربطه بشؤون الدين، فرغم أننا شعب متدين فإن الكثيرين فصلوا تماما بين التدين والسلوك، فاقتصر الدين علي الفرائض والنوافل وزيارة المساجد والكنائس، وابتعد عن حياتنا اليومية وشؤوننا العامة. وأري في ذلك ازدواجية مقلقة.

 

وقفة ثالثة: آفات معاصرة في الأمة الاسلامية

وقد أحصى أحمد كمال في مقالته آفات في الأمة الاسلامية، فذكر منها:

لقد قرأت كثيرا وسمعت كثيراً من كافة الفرق الإسلامية ولقد وجدت فيهم من الآفات ما يستحيل أن تقوم معها لهذه الأمة قائمة قبل أن تُمحى وتُزال: من فضلك ضع بعد كل من هذه الآفات عبارة إلا من رحم ربي

——————————————————————–

الآفة الأولى: عدم فهم النصوص الجزئية للقرءان والسنة في ظل المقاصد الكلية للشريعة والتي أتت من الفهم المتكامل للقرءان والسنة كوحدة واحدة.

الآفة الثانية: عدم استطاعة دارسي الشريعة تفهم مقصود مخالفيهم ولذلك لعدم الابتداء بحسن الظن ولضيق أفقهم واحتكار الحقيقة.

الآفة الثالثة: مخاطبة الناس بأن العلوم الشرعية هي روح بل وجسد الأمة أما العلوم الطبيعية فهي تأتي على هامش الوعي والاهتمام الإسلامي. والصحيح أن العلوم الشرعية هي روح هذه الأمة والعلوم المادية هي جسدها الذي ينبغي أن يكون قوياً للذب عن الإسلام ولإعمار الأرض. فلن يحيا الإسلام على هذه الأرض بروح بلا جسد كما أنه لن يحى بجسد بلا روح.

الآفة الرابعة: توجيه الفكر الإسلامي وإنهاكه نحو تناحر المسلمين على أيهم أقرب للحقوأي الفرق هي الفرقة الناجية وعدم التركيز على العدو المشترك ولا حتى على عيوب الذات.

الآفة الخامسة: إضفاء اللمحة التقديسية على الأشخاص (وخصوصاً العلماء والأولياء) بقصد أو بدون قصد فإذا قال العالم الفلاني شيئاً فهو صحيح وإن كان مخالفاً للقرءان والسنة.

الآفة السادسة: نسيان الأصل وعدم الاهتمام به كالاهتمام بــ تفسير الأصلمن قبل علماء كانوا يعيشون في زمان يصلح تفسيرهم له ولكنه ربما لا يصلح لزماننا. فالأصل صالح لكل زمان ومكان وليست بالضرورة تفسيرات العلماء لهذا الأصل.

الآفة السابعة: النقد اللاذع (الذي يصل كثيراً للسب بل والتفسيق وقليلاً للتكفير) الذي يتجرأ به بعض العلماء لبعض أمام عامة الناس مما يخلق تجرأً من العامة على العلماء ويخلق أيضاً بلبلة عند العامة في قضية أيهم نتبع“!! فضلاً عن القدوة السيئة الذين يعطونها عن علاقة المسلم بأخيه المسلم فضلاً عن علاقة العالم بأخيه العالم.!

الآفة الثامنة: عدم قبول الخلاف والظن الواهم لبعض الدعاة أو العلماء أنهم سيصلون إلى الحل الواحد للمعادلة الإسلامية وذلك بحجة أن الحق واحد. وهم لا يدركون أنهم مهما بذلوا من جهد فكل ما سيفعلونه في النهاية هو إضافة مذهب جديد لا غير. والصحيح أن تعدد آراء العلماء في الإسلام يجب أن يكون متكاملاً بحيث يساعد على عالمية الدين وليس متناحراً يصر كلٌ على رأيه كأنما احتكر الحقيقة.

الآفة التاسعة: شبه الاستغناء عن القرءان الكريم بتفاسيرالقرءان الكريم وهو نوع من الهجر الذي نهانا رسولنا صلى الله عليه وسلم منه وأيضاً إلغاء باب التدبر الشخصي في القرءان الكريم. ولو كان للقرآن الكريم تفسيراً وحيداً محدداً لفسره لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته ولكنه ترك جله دون تفسير لكي لا ينتهي تدبرنا لآي القرءان الكريم الصالحة لكل زمان ومكان. هذه ليست دعوى للتفسير بالرأي والهوى وترك تراثنا من كتب التفسير ولكنها دعوى لترك باب الاجتهاد مفتوحاً للعلماء وتشجيع الأفراد على التدبر الشخصي في كتاب الله تعالى فهذا يُوجد علاقة مباشرة بين المسلم وربه كأنما يكلمه ربه مباشرة وأيضاً يشحذ الأذهان لفهم مراد رب العالمين ويطهر القلوب بتلاوتة ومحاولة الإحساس مواطن الجمال في أطهر كلام. فينبغي أن يكون الأصل هو العلاقة المباشرة بين الإنسان وكلام ربه والاستثناء هو اللجوء لكتب التفسير عند استعصاء الفهم على الأذهان.

الآفة العاشرة: فهم القرءان والسنة على نحو يختلف مع مراد الله ورسوله فترانا نتصارع عددأ من السنين في قضية هل سيخلو العرش من الله عز وجل أم لا عند نزوله للسماء الدنيا في الثلث الأخير من الليلوكأن الحديث القدسي هذا مرادُه!!. مع أن مراد الله واضحُ للإنسان العادي البسيط وهو ببساطة أن نستغل الليل في التوبة والأوبة واللجوء إلى الله!!! وليس مطلوباً منا أكثر من ذلك.

الآفة الحادية عشر: تحويل العقيدة البسيطة التي تتناغم مع فطرة الإنسان البسيط إلى فلسفات معقدة لا قِبلَ للعامة بها وهو ما يؤدي الى سوء فهم العقيدة السليمة بل وإثارة شبهات في نفس الدارس كان من الممكن ألا تخطر بباله أصلاً.

الآفة الثانية عشر: هو طرح شبهات الأقدمين التي برزت بل وماتت أيام معاصرة الفلسفات اليونانية للثقافة الإسلامية على دارسي العقيدة الآن وكأننا مُجمدون في الزمن. وترك الشبهات الأكثر قوة التي يتشبث بها الملحدون في أيامنا هذه للتدليل على صحة منهجهم.

الآفة الثالثة عشر: الاستدلال المتعسف بالاكتشافات العلمية الحديثة لإثبات صحة القرءان والسنة وهذا هو ناشئ في أغلب الأحوال بالشعور بعدم الثقة الكاملة في دين الله. وإنما ينبغي ألا يُدرج في باب الإثبات العلمي إلا الحقائق وليست النظريات. وكمثال لهذه الحقائق ذكر القرءان بدقة بالغة مراحلَ تطور الجنين في بطن أمه.

الآفة الرابعة عشر: محاولة تفسير الغيبيات كطلوع الشمس من مغربها مثلاً كعلامة من علامات الساعة تفسيرات فيزيائية وهذا ان دل فإنما يدل على الإحساس الكامن عند بعض المسلمين بالدونية وعدم احساسهم بقيمة دينهم. لأن الإيمانيات الأصل فيها التصديق ولو كانت الإيمانيات محل إثبات علمي نظري أو عملي لما ثبت الابتلاء بالإيمان والتصديق. وإنما يكون استخدام العلم إما في الفهم الحديث لبعض آيات القرءان في ضوء ما جد علينا من معرفة أو الاستدلال على نسب القرءان لله رب العالمين ببعض الحقائق العلمية الثابتة المذكورة فيه.

الآفة الخامسة عشر: هو المسارعة في التحريم بدون نص قطعي الدلالة قطعي الثبوت.

الآفة السادسة عشر: هو عدم إدراك المسلمين أن تحصيل العلوم التطبيقية واستخدامها في تقوية شوكة المسلمين داخلياً وخارجياً هو فرض على الأمة وهو في الحقيقة جهاد زمننا الحالي لأنه لا جهاد بدون قوة ولا قوة بدون علم.

الآفة السابعة عشر: هو الاحجام عن تعلم الحكمة من غير المسلمين وإن كانت في المجالات الاجتماعية والنفسية بحجة أن الإسلام كافٍ لهذا الغرض. ولكن مالا يدركه الكثيرون أنه مع صحة حجتهم فما لم نستطع أن نصل إليه من الكتاب والسنة لعجزنا أو لقلة فهمنا لا حرج علينا أن نتعلمه من غيرنا طالما لم يصطدم بتعاليم شريعتنا.

الآفة الثامنة عشر: هو ترك علم عالم بالكلية لمجرد أنه اختلف معنا في الرأي في مسألة (بل حتى لو كان خطأً بيناً وليس مجرد اختلاف في الرأي) وكأننا ننتظر من العالم أن يكون إما معصوماً وإما مارقاً ولا وسط بينهما!! وإنما ينبغي أن نغوص في بحر علم علماء أمتنا فننتقي الآلئ ونترك ماليس صحيحاً.

الآفة التاسعة عشر: هو التخلي عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كفريضة إسلامية حتى صار المعروف منكراً والمنكر معروفاً وتخلى معظم العلماء عن دورهم في قول كلمة الحق في وجه الحكام المخطئين دون أن يخشوا في الله لومة لائم.

الآفة العشرون: أننا إما أن نستورد النماذج الغربية للإصلاح بما فيها من مميزات وعيوب وإما أن نتركها بالكلية. والصحيح أن يكون ديننا هو حبل الله المتين الذي نعتصم به ونضم إلي حضارتنا كل علم نافع علمه الله لبشرأيا ماكانت ملته وننبذ ما عداه من فساد وعلم غير نافع.

الآفة الحادية والعشرون: هو جهل كثير من علمائنا بأحوال الدنيا من حولهم وبأساسيات العلوم المادية.

الآفة الثانية والعشرون: هو عدم فتح الفرصة أمام علماء العلوم التجريبية لإبداء رأيهم في آيات القرءان التي لها علاقة بعلومهم المادية. فعلماء الشريعة الحاليون ليسوا بقادرين على التأمل في مثل هذه الآيات. (يُشترط أن يكون هناك تعاونا بين عالم الطبيعة وعالم الشريعة واللغة حتى لا يزل أحدهم في تأويل متعسف أو مجانب للصواب).

الآفة الثالثة والعشرون: هو عدم وجود ثقافة ترتيب الأولويات بين علمائنا في وعظ الناس وبين عامتهم بالتبعية.

الآفة الرابعة والعشرون: الاجتهاد فيما ينبغي التوقف عن الاجتهاد فيه لأننا لن نصل لرأي جديد عما سبقنا فيه آلاف العلماء (مثل فقه الطهارة والصلاة ) وعدم الاجتهاد فيما ينبغي الاجتهاد فيه (مثل الاقتصاد الاسلامي والسياسة الدولية الاسلامية والقضايا الطبية الحديثة وموقف الشرع منها).

الآفة الخامسة والعشرون: عدم احترام التخصص الدقيق في علوم الشريعة وظهر ذلك جلياً عندما فتحت الفضائيات أبوباها للأسئلة الشرعية, فتجد عالم الحديث يفتي فتاوى فقهية يلزمها دراسة عميقة في اصول الفقه و تجد الفقيه يصصح ويضعف الأحاديث وكأنه خبير بعلم الرجال والجرح والتعديل.

الآفة السادسة والعشرون: غياب العمل الجماعي والفتاوى الصادرة من هيئات كبار العلماء وشيوع الفتاوى الفردية بين الناس ومما هو معلوم أنه مهما بلغ العالم من علم فإن فرصة أن يفتي برأي خاطئ أكثر بكثير من فرصة خطأ مجموعة من العلماء الذين يصوب بعضهم بعضاً.

الآفة السابعة والعشرون: الاستخدام الغير مسئول لألفاظ شرعية مثل إجماعو جمهور العلماءفتجد من يقول أن هذا هو رأي الجمهوروتجد مخالفاً له في الرأي يقول أن رأيه هو هو رأي الجمهوردون حتى أن يوضحوا للعامة معنى كلمة جمهورأو إجماعوضوابط استخدامها.

الآفة الثامنة والعشرون: عدم توعية الناس بأنه يوجد ما يُسمى الخلاف بين العلماء وأن هذا طبيعي وأنه لو أراد الله أن يُفهم النص بطريقة واحدة لفعل ولكنها حكمة الله في دينه ليكون الدين دينا عالمياً صالحاً لكل البيئات وكل الأزمنة مادام النص يُفهم في حدود اللغة العربية السليمة وفي ضوء غيره من النصوص المرتبطة بنفس القضية. ويرتبط بهذه الآفة إيهام العامة أنه لا يُوجد إلا رأي واحد.وإنما ينبغي تنبيه العامة على وجود الخلاف وأن المفتي هو أميل لرأي معين من الآراء المختلفة. وأن اختلاف العلماء لا يلغي وجود الاتجاه الاسلامي العام الذي بعكس ظن الكثيرينهو في اتجاه الحق ولكن عن طريق حبل غليظ تختلف اتجاهات خيوطه داخله ولكن اتجاه الحبل ككل هو نحو الحق بإذن الله تعالى.ملحوظة: اختلاف اتجاه الخيوط تكون تقوية للحبل الغليظ وليس اضعافاً له إذا كانت الخيوط تساعد بعضها بعضا ولا تتناحر ويقطع بعضها بعضا.

الآفة التاسعة والعشرون: هو انزلاق الكثير في وضع الفتوى أولاً تأثراً بالبيئة المحيطة ثم انتقاء النصوص التي تؤيد هذه الفتوى والصحيح هو العكس وهو أن يتم جمع جميع النصوص المرتبطة بقضية ما وتطبيق عليها علم اصول الفقه لاستخراج الفتوى بغض النظر إن كانت موافقة لبيئة المفتى أو ميله الشخصي أم لا.

الآفة الثلاثون: هو عدم مراعاة الأقليات وأحكامهم الخاصة وعدم مراعاة الإسلام كدين عالمي فتجد الفتوى التي تُفتى لمستفتي مصري مثل االفتوى التى تُفتى لمستفتي ألماني مع اختلاف البيئة المحيطة بالمستفتي بل ونفسية المستفتي تماماً. ولا أقول بتغيير الفتوى حسب المكان بلا قيود ولكن أقول أن قواعد شريعتنا من المرونة بأن تسع العالم كله بكل ظروفه.

الآفة الحادية والثلاثون: هي فتح باب الفضائيات للأفتاء اللحظي على الهواء وهذا مزلق خطير فقد تكون الفتوى تحتاج للتفكير العميق بل قد تكون محتاجة لأخذ رأي متخصصين في مجالات أخرى داخل تخصصات الشريعة الإسلامية وخارجها.

الآفة الثانية والثلاثون: هو استدراج بعض برامج الفضائيات الخبيثة لبعض العلماء حسني الظن قليلي الوعي بحيث يكونون من مدارس فكرية مختلفة وافتعال المعارك الكلامية بين العالمين واستفزازهم حتى يخرجوا عن هدوئهم وقد يقعون في الخطأ في حق بعضهم البعض. فيتحقق بذلك الغرض الشيطاني للبرنامج وهو فقدان الناس احترامهم لكلا العالمين والاحساس بالضياع بين آرائهم وفقدانهم الثقة بوجود رأي إسلامي سديد حول الشئون الإسلامية المعاصرة.

ملحوظة هامة: ترتيب الآفات لا يدل على ترتيب أهميته

والله أعلمانتهى كلامه

 

البيجامة: فن الاختلاف الخلاق – معتز بالله عبد الفتاح – مقالات وأعمدة – جريدة الشروق

مقالة هامة جدا في أصول وفن الاختلاف الخلاق، الذي يبرز التنوع ويثري الفكرة، ترتبط بواقع يعيشه الدكتور معتز بالله عبدالفتاح مع قراءه

بصراحة، أجد أن من أهم عناصر التفكير النقدي ومن أهم ما يثري أي فكرة أيا كان نطاقها، هو النقاش الجاد والموضوعي، الذي يبرز وجهات نظر وآراء حول الفكرة المعروضة

وأحب أن أعرف نفسي كما عرف الدكتور نفسه: أنا محمد شرف الدين، وأتفق معه في أنني أيضا مصرى الجنسية، عربى اللغة، مسلم الديانة، أبحث عن الحقيقة بلا تحيزات أيديولوجية وأينما وجدتها فأعتبر نفسى أولى بها. ورغما عن التزامى بالحقيقة فأنا لا أعد بها القراء الكرام، لأننى اكتشفت «حقائق» ثم يتبين لى بعد فترة من الدرس والتفكير والنقاش أنها ليست كذلك. وعليه فأنا ملتزم مع القراء الكرام بالأمانة التى تقتضى منى أن أنقل لهم ما أعلم أننى أعلم وما أعلم أننى لا أعلم وما أعلم أننى كنت مخطأ فيه. وقد وضع الرسول الكريم أسس هذا المنهج فى الأمانة بقوله: «لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه».، وأضيف انني مبتدئ مقارنة به، ولا أتفاخر بتاريخي، قدر ما أهتم أن أكون فاعلا في قيادة التغيير واستشراف المستقبل كي يكون أفضل لأبنائنا وأمتنا من بعدنا، وأرجو ان يستعملني الله ولا يستبدلني

أترككم لقراءة المقالة الممتعة وقد نشرت بتاريخ اليوم السبت الثاني من أكتوبر عام 2010

فن الاختلاف الخلاق – معتز بالله عبد الفتاح – مقالات وأعمدة – جريدة الشروق.

motazbellah abdelfattah

قراءة تعليقات القراء مجهدة ذهنيا ونفسيا، لابد أن أعترف بذلك. لماذا؟ عندى سببان على الأقل: الأول أن الطرفين لا يعرفان بعضهما البعض شخصيا ومن ثم ثقافيا. ويملك القارئ الكريم أن ينعت الكاتب بما يشاء من صفات سلبية أو إيجابية دون أن يحتاج إلى أن يقدم الدليل على ما وصل له من استنتاجات. والسبب الثانى، أننا أمة مأزومة؛ وفى وقت الأزمات تضيع البوصلة وتتعارض ملامح خرائط الطريق وتتفاوت التوقعات والأهداف. وعلى هذا قد يكون من المفيد، من آن لآخر أن يقدم الإنسان نفسه للقراء الكرام عسى أن يعرفوه أكثر وبالتالى من الممكن أن يكون الحوار بينهم أكثر فائدة. وهذا ما سأحاوله فى هذا المقال الذى سيكون فى معظمه عن المنهج فى الكتابة وإن كان بعضه عن كاتب المقال ذاته.

أعزائى القراء، أقدم لكم كاتب هذا المقال بنفس الطريقة التى كنت أقدم بها نفسى لكل من يعنيهم أمرى لأكثر من 15 سنة: أنا مصرى الجنسية، عربى اللغة، مسلم الديانة، أبحث عن الحقيقة بلا تحيزات أيديولوجية وأينما وجدتها فأعتبر نفسى أولى بها. ورغما عن التزامى بالحقيقة فأنا لا أعد بها القراء الكرام، لأننى اكتشفت «حقائق» ثم يتبين لى بعد فترة من الدرس والتفكير والنقاش أنها ليست كذلك. وعليه فأنا ملتزم مع القراء الكرام بالأمانة التى تقتضى منى أن أنقل لهم ما أعلم أننى أعلم وما أعلم أننى لا أعلم وما أعلم أننى كنت مخطأ فيه. وقد وضع الرسول الكريم أسس هذا المنهج فى الأمانة بقوله: «لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه».

هذا عن الكاتب، أما عن المنهج فنحن بحاجة لأن نعود إلى بعض الأصول. أولا من الرائع أن نحرض أنفسنا على التفكير الخلاق، فمشاكل المجتمعات المعاصرة ليست بسيطة أو فطرية وإنما هى شديدة التعقيد بما يتطلب تفكيرا جدليا مركبا يأخذ فى الاعتبار أسئلة من قبيل: من نحن؟ وماذا نملك ولا يملكه غيرنا؟ وما الذى يملكه غيرنا ولا نملكه؟ وما هى تكلفة الفرصة البديلة إن تبنينا ما يملكه غيرنا؟ هل يمكن الجمع بينهما؟ مثلا هل نلحق أولادنا بمدارس أجنبية لا تهتم باللغة العربية؟ وماذا عن تشويه الهوية الوطنية؟

وكى نفكر معا، فلابد من التدرب على الاختلاف فى الرأى. ولنتخيل معا هرما له قاعدة وله رأس وبينهما أدوار من البدائل المتاحة لنا.

فأولا فى قاع الهرم هناك ما يمكن تسميته «سب الشخص» (name-calling) وهو أدنى مراتب الاختلاف ومع الأسف الأكثر شيوعا، وربما يكون هو السبب المباشر فى أن اضطرت إدارة جريدة «الشروق» أن تضع قيودا على نشر التعليقات لا سيما مع تحول بعد السادة المعلقين إلى سب بعضهم البعض بألفاظ لا تليق.

الطابق الأعلى مباشرة فى هرم الاختلاف هو «مهاجمة الشخص» (ad hominem) ليس بالسب ولكن بتوجيه انتقادات ليس لها علاقة بجوهر الفكرة المطروحة، فننشغل بالأشخاص والأشياء أكثر من مضمون ما يقدمونه من أفكار وتحليل للأحداث. فيُتهم كاتب ما بأنه من «دراويش عبدالناصر» لأنه ينتقد أوضاع المدارس فى مصر الآن مقارنة بما كانت عليه فى عهد عبدالناصر أو أن كاتبا آخر «من محاسيب إيران» لأنه يوضح أن إيران نجحت فيما أخفقت فيه مصر من تحقيق معدلات أداء اقتصادى وعسكرى وتكنولوجى كانت جزءا من حلم عندنا وانتهى. ومع ذلك من الممكن أن يكون انتقاد الكاتب مبررا إذا كان مبنيا على أسباب (حتى لو اختلفنا معها)، كانتقاد من يدافع عن حزب أو جماعة بانتقائية شديدة للمعلومات أو بتزييفها. ولكن هنا لا نقول إن هذا الأسلوب هو «مهاجمة للشخص» وإنما هو انتقاد لمصداقيته أو منهجه بأدلة مرتبطة بالقضية موضع النقاش.

الطابق الثالث فى هرم الاختلاف هو «مناقشة التوجه العام» (Responding to tone) وهو أقل النقاشات الجادة سوءا. إذن نحن بدأنا نناقش نقاشا علميا ولكن فى أدنى مستوياته لأننا بدأنا نناقش الموضوع وليس كاتب الموضوع. وهنا يكون الانتقاد موجها للتوجه العام للموضوع دون تحديد أين مواضع الخلل فيها بشكل مباشر. فكأنك ترسم دائرة كبيرة على مقال وتقول هذا مقال: «متأسلم» أو «تجارة بالدين» أو أن المقال من «أوهام الليبراليين المتغربين.» هذا توجه عام يمكن أن يكون مرفوضا عند شخص ما، لكن ما الفائدة التى عادت على القارئ أو المستمع ما لم يقدم الرافض أسبابا واضحة للرفض بحيث تكون قابلة للنقاش؟

الطابق الرابع فى هرم الاختلاف هو «المعارضة» (Opposition) وهنا نكون بدأنا فى النقاش الجاد فعلا. فيقدم الكاتب ما يفيد اعتراضه على ما يقرأ أو يسمع مع بعض الأدلة هنا أو هناك بما يثبت وجهة نظره، وقد تكون المعارضة للفكرة المركزية (central point) أو لقضية هامشية أو استشهاد يراه المعترض فى غير محله لكن مع الموافقة على الفكرة المركزية. وسأقدم مثالا لقارئ كريم عارض مقالا لى (25 سبتمبر 2010) بطريقة أحسبها سليمة حيث قال: «كثير من المصريين الذين يعيشون فى بلاد المهجر… قد أصيبوا بداء المغالاة فى نقد الذات والوصول أحيانا بهذه الحالة من النقد إلى الجلد وانعدام الثقة التامة فى كل ما هو مصرى وهذا ما مارسه اليوم فى مقالته أ.معتز بالله فلقد أوجز واختصر 5000 عام حضارة المصريين القدماء فى أحكام عامة كقوله (وكان المصرى تابعا غير ذى إرادة مستقلة؛…الخ) ناسيا ومتناسيا أن الإبداع والعبقرية لا يصنعان حضارة متقدمة ذات أركان ثابتة إلا إذا توافر لأفرادها إرادة مستقلة وقناعة إيمانية عالية». إذن أحسن أخى الكريم فى عرض فكرته بما أوضح سبب اعتراضه على ما جاء فى المقال، وإن كنت أختلف معه فى استنتاجاته».

الطابق الخامس فى هرم الاختلاف يتمثل فى تقديم طرح بديل (Counterargument)، وبالتالى هو اعتراض واضح على المقولة المركزية ومعها أسباب الرفض ثم طرح فكرة مغايرة تماما للفكرة الأصلية. وقد عقب أحد الفضلاء على نفس المقال بطرح بديل حين قال: «وأخطر ما فى المقال هو أنه يقفز فوق الممكن بمعنى أنه يقول إما ديمقراطية وليبرالية كاملة أو استبداد كامل مطلق ولا تدرج بينهما.. فمثلا لماذا لا يجرب الحزب الوطنى فكرة طرح بدائل من داخله ويترك للناس الاختيار من بينها…. كفكرة الانتخابات الأولية فى أمريكا؟.. وكخطوة نحو الديمقراطية ولكن النظام لا يريد مجرد فتح نافذة للحرية وليس العيب فى الشعب». والحقيقة أن طرح القارئ الكريم فيه الكثير مما يستحق النقاش من ناحية المضمون، ولكن الأهم أنه نفذ إلى جوهر الفكرة ونقضها ثم قدم طرحا بديلا عنها. وهذا هو جوهر الحوار الخلاق.

والطابق السادس والأخير أن يكون كل ما نكتبه إما عليه دليل أو على الأقل يمكن إثباته (provable) أو يمكن دحضه (falsifiable) بالرجوع إلى مصادر معلومات وأفكار أو خبرات دول أو أشخاص آخرين حتى يمكن القياس عليها والاستفادة منها.

هل تعلمون حضراتكم أن كل مجتمع بشرى احتاج قرونا كى ينتقل معظم أفراده من طابق لآخر؟ ولنأخذ مثالا بالعقل الأوروبى حيث بذل فلاسفة اليونان جهدا هائلا لإثبات فكرة الذات العاقلة فى مواجهة الأساطير الموروثة وحكم الكهنة، واحتاج العقل الغربى قرونا كى ينتقل من الذات الاستنباطية (سانت أوجستين) إلى الاستقرائية (بيكون)، ثم إلى الذات المفكرة والمتشككة (ديكارت)، التى لها حقوق غير قابلة للمساومة والانتقاص (كانط).

آمل لـ«الشروق» وأخواتها أن تسهم فى الانتقال بنا جميعا من طابق لآخر، فالرحلة طويلة ولكن الزاد وفير بإذن الله.

البيجامة: الخطاب الديني: الخطب المنبرية – 8 – خطبة جمعة – معتز بالله عبد الفتاح – مقالات وأعمدة – جريدة الشروق

أردت أن أشارك معكم شكل ايجابي لخطبة الجمعة تمناهخ فيما يرى النائمون الدكتور العزيز معتز بالله عبد الفتاح

الخطبة بسيطة، ولكن موجزة، وتضع يدها على أصول آفات عظيمة، وتعالجها بدقة

أرجو أن نستمتع كلنا بمتابعتها

المصدر: خطبة جمعة – معتز بالله عبد الفتاح – مقالات وأعمدة – جريدة الشروق.

النص (منقول):

motazbellah abdelfattah

رأيت فيما يرى النائم خطيبا يصعد منبرا ويخرج من فمه كلامٌ تذكرت بعضه فسطرته فى كلمات أنقلها إليكم.
عباد الله، إن المسلمين مأمورون بتلاوة القرآن وتدبر آياته. وقد جئت إليكم اليوم بخمس آيات عظيمة من كتاب ربنا عز وجل؛ فهى رسائل من رب العالمين إلى العالمين. جعلنى الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصرفنى الله وإياكم عمن قال فيهم: «إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون، ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون».

الآية الأولى هى قول الحق سبحانه: «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِى عِلْمًا»(طه،114) وهى آية تبدو كمحصلة لمجموعة من الآيات الأخرى والتى تأخذ شكل نظرية مترابطة، تحملنا مسئولية البحث عن العلم والاشتغال به على النحو التالى:
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا + وفوق كل ذى علم عليم + هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون + يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات = وقل ربى زدنى علما.

ولتطبيق هذه المعادلة القرآنية على أرض الواقع يأتى قول الرسول الكريم: «طلب العلم فريضة» و«لايزال المرء عالما ما طلب العلم، حتى إذا قال علمت فقد جهل».

الآية الثانية تقول: «رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا»(الممتحنة،5) وهو دعاء يحمل فى طياته المعنى التالي: أى يا رب لا تجعلنا دليلا يتخذه الكافرون على صدق كفرهم وكذب إيماننا فنكون سببا فى تحول الناس عن دينك لأنهم ما عرفوه إلا لأنهم عرفونا، فبدلا من أن نكون هداة مهتدين نكون ضالين مضلين.

تذكرت هذه الآية عندما قرأت كلام الشيخ محمد الغزالى: «إن المسلمين جدار سميك بين العالمين ودينهم». أى أن المسلمين، بسوء سلوكهم يقفون حائلا بين تعرف غير المسلمين على صحيح الإسلام. تذكرت هذه الآية وأنا أجمع المادة العلمية لكتابى عن المسلمين والديمقراطية لتكون المفاجأة أن ثمانين بالمائة من المسجونين السياسيين فى العالم (أى بسبب آرائهم السياسية) مسلمون، وأن الدول العربية تحديدا مسئولة عن أكثر من خمسين بالمائة من النظم غير الديمقراطية فى العالم. فلو أراد أحد ساكنى المريخ أن يتخير دينا من ديانات الأرض بالنظر فقط إلى أحوال أتباع كل دين، فأغلب الظن أنه لن يختار الإسلام. ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا.

تذكرت هذه الآية الكريمة أثناء حوارى مع طالب دكتوراه من اليابان طلب منى أن أقرأ جزءا من رسالته فروى لى بعض ما واجهه من صعاب أثناء زيارته لبعض الدول العربية وكيف أنه خرج بانطباع سلبى عن الإسلام (وكان الأحرى أن يحصر انطباعه فى حدود العرب) بما انعكس بوضوح فى رسالته. وكان مطلوبا منى أن أقول له إن الإسلام عظيم وأغلب المسلمين لا يتصرفون بوحى منه، وأن اعتزازهم به لا يعنى التزامهم بآدابه ولكن هيهات: وكأن لسان حاله يقول إذا لم يكن الإسلام قد نفع المسلمين فى شىء فكيف ينفع الآخرين؛ فكيف يستقيم الظل والعود أعوج.

تذكرت هذه الآية وأنا أطالع مقال الدكتور علاء الأسوانى فى الشروق: «هل يعتبر تزوير الانتخابات من الكبائر؟» فى ضوء حقيقة أن مجتمعاتنا العربية لا تعرف الانتخابات النزيهة إلا فى ظل الاحتلال، مع الأسف، لأننا تحكمنا قيادات مزورة تخشى نزاهة الحقيقة.
الآية الثالثة «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (النحل، 90)، فى هذه الآية العظيمة يبدأ الله أمره لنا بالعدل، وكأنه الحد الأدنى لعلاقة الإنسان بالآخرين، ويذكر فى عقبه الإحسان وهو تعجيل الخير وهى منزلة أعظم ولا شك. فالعدل يعنى القسط والموازنة وعليه «وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به»، لكن للإحسان نصيب «ولئن صبرتم لهو خير للصابرين» فمن العدل قوله تعالى: «وجزاء سيئة سيئة مثلها» ولكن من الإحسان «فمن عفا وأصلح فأجره على الله.»، ومن العدل «والجروح قصاص»، ومن الإحسان «فمن تصدق به فهو كفارة له».

ولذى القربى نصيبهم لأنهم يقعون فى دائرة مسئوليتنا المباشرة أكثر من هؤلاء الذين باعد بيننا وبينهم المكان أو الزمان أو النسب. فما دون العدل ظلم وجور وكذب وخيانة وفحشاء ومنكر وبغى، وكل هذا ليس من الإسلام، أما ما فوق العدل من إحسان وكرم وتفضل وعفو وصفح وبر بالآخرين فهو من كمال الإسلام بل من الإيمان الذى وقر فى القلب وصدقه العمل.

وعليه حين قاتل الرسول صلى الله عليه وسلم الكفار فقد قاتلهم بالعدل، وحين عفا عنهم فى فتح مكة فقد عفا عنهم بالإحسان وما كان ليظلم أو يبغى. وكذلك حين رفض ابن الخطاب أن يعطى لبعض ضعاف النفوس من الأعراب سهم المؤلفة قلوبهم فكان يتصرف بالعدل، وحين أمر لليهودى العجوز من بيت المال، فكان من العدل لأنه ليس من العدل أن يأخذ منه الجزية فى شبابه ويحرمه فى شيخوخته، وكذا حين رفض أن يصلى فى كنيسة القيامة حتى لا يتخذها المسلمون من بعده مسجدا. وحين احترم المسلمون حقوق الآخرين فى بناء دور العبادة، فكان من العدل لأنه لا إكراه فى الدين، وحين تبادلوا معهم التهانى فى أعيادهم فكان من الإحسان وهذا هو جوهر قول الحق سبحانه «لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»(الممتحنة، 8).

فالله يقول إن الذين يعيشون معنا ولم يقتلونا أو يخرجونا من ديارنا لهم أن نتعامل معهم بالبر (وهو من مراتب الإحسان) وكأننا نعجل لهم الخير مثلما هو حالنا مع بر الوالدين، وإن لم نكن بهذا القدر من الإحسان، فعلى الأقل فلنكن عادلين ومن العدل أن يكون لهم حقوق كما لنا حقوق غير منقوصة. اللهم اجعلنا من أهل العدل والإحسان.

الآية الرابعة تقول: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا»(الكهف،28). والآية ترسم منهجا يضعه الخالق لرسوله ولعباده من بعده بأن فرّق بين منهجين فى الحياة وفريقين يسيران على نهجهما: الأول هو منهج من جعل نفسه وحياته ومماته لله يدعوه ويذكره ويعمل له ويخشاه ليلا ونهارا لأنه يريد وجهه سبحانه ولا شىء سواه، لكن المهم ألا تذهب عيناك بعيدا عن هؤلاء لأنهم عادة قليلون ومتع الحياة الفانية غالبا ليست عندهم وإنما عند من أساء وأخطأ وتعمد الخطأ حتى أغفل الله قلبه عن ذكره واتبع هواه فأصبح أمره فرطا، وهم أصحاب المنهج الثانى. هى آية تحتاج الكثير من التأمل كى نحسن فهمها ونعمل بهديها. اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

الآية الخامسة هى قول الحق سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»(النور،19) وهذه الآية هى جوهر الحدود فى الإسلام. فمن أراد أن يمارس الرذيلة بعيدا عن الناس، فعقوبته الأليمة عند ربه، أما من ينشر الرذيلة فى المجتمع طمعا فى زخرفها فإنه يضلل الناس عن دينهم، ولا بد أن يعاقب فى الدنيا وفى الآخرة؛ وعقاب الدنيا هو الحدود التى يقوم على تنفيذها ولى أمر المسلمين بشرط أن يطبقها على نفسه والمقربين منه قبل أن يوقعها على من عداهم.

فإذا أردت، أيها الإنسان، شيئا من شهوات الدنيا الحرام فتذكر أنك فى علاقة تضاد مع إرادة الله ما لم تلتزم منهجه فى الوصول إليها «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ «(الأعراف، 33).

هذه الآيات الكريمة وغيرها تؤكد وظيفة المسلم الأسمى فى هذا الكون وهى أن يكون سيدا للكون عبدا لله، وياله من دين لو كان له رجال.
ويمكن أن نكون جميعا من رجالات هذا الدين بأن نتخلق بأخلاقه، ونتسلح بالمعارف الدينية والدنيوية التى لا ينصلح حالنا إلا بها، وأن نكتسب المهارات اللازمة كى نكون أندادا لعالم تفوق علينا، وأن نملك الشجاعة أن نقول كلمة الحق عند السلطان الجائر بنفس جرأتنا عند مخاطبة الضعيف الخائر. وكما قال الرسول الكريم: «اطلبوا حوائجكم بعزة الأنفس، فإن الأمور تجرى بمقادير».
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

البيجامة: الخطاب الديني – 4 – الخطب المنبرية – حصر الدين في مجال واحد

ذكرت في المقاتين السابقتين مشكلات الخطب المنبرية، والآن أكمل

الآفة الرابعة: حصر الدين في مجال واحد

هناك من سلم من الأولى والثانية والثالثة ثم سقط في الرابعة، ألا وهي حصر الدين في مجال واحد، وعدم إظهار شموليته، كحصره في العبادات أو في إصلاح القلوب.

حصر الدين في إصلاح القلوب كمثال:

يوجد خطباء بارعون في عرض أمراض القلوب وأحوال العباد وخبراء في تقديم روشتات عملية لعلاجها عن طريق العبادات وإستغلال مواسم الخير، وهم أفضل الخطباء تأثيراً على الناس، وتجد عوام الناس يجدون لذة في اتباعهم وحضور خطبهم ويأتي أثرهم إيجابي على الناس في أحوالهم العبادية ومع الله.

وبعد إنتشار معظم خطب المساجد، الرسمية، والدروس البينية، وصناعة نجوم في هذا المجال، وجدنا أنه قد تأثر الدعاة الجدد ودعاة الفضائيات جميعهم بعرض هذا المجال الجاذب للجمهور

ولكن – مع إحترامي الشديد لدورهم وتخصصهم وحرفتهم والأثر الإيجابي المحدود على بعض الناس – هل هذا هو لب الدين وهل لهذا أرسل رسوله الكريم – صلى الله عليه و سلم – وأنزل القرآن وأهلك الأمم من قبلنا ليكونوا لنا عبرة؟

أجد أن الأثر السلبي لذلك يأتي على تعميق إزدواجية المجتمع في التعامل مع الدين وفهم رسالته، فتجد الناس يكثرون من أداء مناسك العبادات وتخشع قلوبهم لذكر الله، ويسمعون القرآن ويخشعون له، وقد يبدو عليهم آثار التدين في المظهر والملبس والذهاب إلى المسجد وأعمال البر والخير.

ولكن لا أثر لذلك البتة في أعمالهم، وتعاملاتهم ولا أثر عليهم في أداء دور إيجابي في المجتمع أو إصلاح حال الأمة ..

ويتعمق فيهم مفهوم (دع ما لقيصر لقيصر) و(الدين بينك وبين الله) و(الإسلام إسلام القلب) بدون أثر إيجابي بالمرة عليهم وعلى من حولهم، ويستمر الفساد في المجتمع ولا رادع له في حياتهم، فتصير صلواتهم ودعواتهم وقلوبهم المطهرة حسب طريقة الامام، فارغة من مضمون الوحي، وهو الصلاح والاصلاح

ومن هذه الطائفة الرابعة تجد أيضاً نجوماً إعلاميين يملاون الفضائيات وتجد أثرهم في معظم أسئلة المشاهدين عن فقه دخوال الحمام والطهارة والصلاة والزواج والطلاق والصيام و الحج.

أما في غير ذلك من شئون رعاية الأبناء والحقوق وإصلاح المجتمع، وتحقيق العدالة الاجتماعية، واطلاق الحريات، واصلاح شأن البلاد والعباد، وفساد دنيا الأعمال، وحقوق البلد والحي والجيرة والأقارب، فلا أثر البته، ولا قول ولا نصح.

وهذا يعتبر إبتسارا للدين، حتى وإن آمن أرباب هذه الدعوة باهمية المرحلية في الخطاب، فمنهم من ظل فوق الخمسة عشرة سنة يتكلم في نفس الموضوع، ولا ينصح أتباعه بالتنويع والاستماع لغيره، كما انه لا يضيف شيئا جديدا في مجالات الخطاب، فتجد المريدين والمستمين وقد فهموا كل الدين انه ما يأتي به هذا الشيخ أو الداعية، فهو المتاح أمامهم

وغن كان الموضوع للتخصصية، فعليه التبديل مع غيره الذي سيكمل الصورة للمستمعين، وإن كان للمرحلية، فما هي خارطة الطريق؟، وكيف نتأكد من تجاوز المراحل؟، لن يظل الناس عالقون في نفس المرحلة طوال الوقت

وقد تكلم الكثيرون في شمول الاسلام دون وضع ضوابط للخطاب الديني الذي هو البوق الذي يوصل الدعوة الاسلامية، والقناة المباشرة للتواصل مع الناس، بالرغم من وجود ذلك في خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم والسنة النبوية المطهرة

فقد كانت خطب النبي صلى الله عليه وسلم، بالرغم من جزالتها وقصرها، فقد كانت تتعرض لكل ما يهم المسلمين، بلغة تناسبهم، في كبسولة إن صح القول، ففيها تسليط الضوء على حدث جار، وليس ذكرى ماضية، وفيها الدرس والعبرة المستفادة من هذا الحدث، وفيها النصح والارشاد في مجالات الأخلاق والمعملات، والتواصي على أفعال الخير ومواسم الطاعات، وقد صنع بهذه الكلمات والخطب رجال، صنعوا التاريخ

وفي لاهوت التحرير، وكما أنقل عما شرحه مينا ناجي، في مواجهة نفس هذه الاشكالية في الخطاب الديني المسيحي، سمى هذا الحياد الكاذب

ونظرا لتشابه الحال بين المسلمين والمسيحيين في الخطاب الديني العصري بما يخص هذه النقطة، فأنا أنقل عنه كما قال:

يقول اللاهوتىي إدواردو شكِلبيكس”: إن كانت صلتنا بخدمه القريب غير موجودة فى الواقع، فأن صلواتنا وطقوسنا وكلامنا على الله يتدهور ويصبح مفارقاً ومزيفاً.”

وبناء عليه فأن عدم الإلتزام الفعلى بمكافحة السلب والنهب والاغتراب الوجودى والمجتمعى والسياسى والثقافى فى المجتمع، والعزوف عن العمل من أجل تحقيق مجتمع عادل متضامن يجعل من الطقوس والصلوات مجرد فعل طقسى فارغ من كل مضمون. فأن مثل هذا الفعل غير معزّز بالمحبة الفعلية للذين يقومون به.

إن الإنتماء إلى الإيمان يعنى التزام المؤمن بأن يتّخذ موقفاً من الظلم الاجتماعى الذى تعانيه قطاعات عريضة من الشعب وعليه كذلك أن يتّخذ موقفاً من القوى التى تحاول أن تضع حداً لهذا الظلم. وأول خطوة فى هذا الإتجاه هى الاعتراف بتواضع بأن للمؤسسة الدينية موقفاً من الأوضاع الحالية، علماً بأنها متحالفة مع النظام الاجتماعى والسياسى القائم، لا بل تٌضفى صفة القداسة على أبشع أصناف العنف، بمساندتها الأقوياء والظالمين على الضعفاء والمقهورين. وهذا ما يجعل المؤسسة الدينية نفسها جزءاً من النظام القائم. وبناء على ذلك. أصبح الدين مجرد عنصر من عناصر الأيديولوجية المسيطرة. وقول المؤسسة الدينية أنها لا دخل لها بالسياسةليست إلا شعاراً هدفه تغطية الأمور، والحفاظ على سياسة الأمر الواقع. فلا يمكن أن تُحدد رسالة ومجال فاعلية المؤسسة الدينية بطريقة نظرية مجردة، بل من الناحية العملية. ففى الواقع نجد أن المؤسسة الدينية لها شبكة كبيرة من العلاقات الاجتماعية والعديد من الإمكانيات التاريخية الفاعلة، هنا والآن. وهذه العلاقات تتمثل فى روابطها مع مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية ومؤسسات الدولة. جميع هذه العلاقات والإمكانيات ضرورية للمساهمة فى رسالة التحرير

انتهى كلامه

ولذلك يجب على الدعاة والائمة إرشاد الناس لما فيه صلاحهم، وصلاح النظام، والمجتمع، دون تهييج أو إثارة ثورات وخروج على الحاكم، ولكن بالتعريف بالحقوق والواجبات، والتأكيد عليها، لحساسية كون الخطاب الديني له حساسية خاصة في التعامل المباشر في هذه المجالات لما له من تأثير آني على الجماهير

وقد ذم الله عز وجل بني إسرائيل، ممن ابتسروا الدين، وأخذوا منه ما شائوا ووافق هواهم وتركوا منه ما لم يحبوه، ولم يأت على هواهم لصالح دنيا يصيبونها، فقال عنهم “أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) ” سورة البقرة

وقال مادحا من قام بالحق، ودعا إليه دون خشية أحد من الناس، واعتبرهم قدره الذي يغلب به قدر الناس في الاختيار، ” مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ۖ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)” سورة الأحزاب

اللهم اجعلنا منهم،

(الصورة منقولة  من موقع http://chilloutkuwait.blogspot.com/ وهي تشرح الحالة التي أحاول نقلها وهي أن هؤلاء الخطباء يشرحون الدين كما يشرح العميان الفيل – فإذا سؤلوا ماهو الفيل؟؟ كان ردهم كما هو بائن من الرسم، وقد كان هذا المثال هو المثال الذي يشرحه لنا علماؤنا الأفاضل عن شمولية الاسلام، كيف يجب ان يغير المسلم نظرته للاسلام ليشمل جميع مناحي الحياة)

والله تعالى أعلى وأعلم

البيجامة: رحلتي إلى الأردن .. 7- عم محمد..

بداية تحرك العبارة التى تأخذ حوالى الثلاث ساعات و النصف إلى الأربعة ساعات أشعرتنى بالاطمئنان النسبى  و إن كان قد غلب على الإرهاق من المذاكرة المتواصلة و الرحلة التى بدأت منذ اليوم السابق من السلعة التاسعة مساءً مساعاً من منزلى و ورطة المذاكرة التى استمرت منذ يوم الأربعاء مع الأشغال المؤبدة و الوقت الضيق Read the rest of this entry