Daily Archives: 16 ماي 2011

البيجامة: الشركات متعددة الجنسيات -1 #Egypt #NewEgypt #Egy2020

الاستثمارات الأجنبية قوام هام من قوائم ودعامات الاقتصاد المصري، حيث تشكل نسبة كبيرة من اجمالي الاستثمارات، وتغطية احتياجات سوق العمل، وكذلك كفاية السوق من منتجات بعضها أساسي، وبعضها تكميلي، وخدمي، ولكنها في آخر الأمر تشكل احتياجات مصرية تشكل طبيعة التركيبة الاقتصادية الخاصة بمصر

الحقيقة أن دخول الشركات والاستثمارات الأجنبية إلى مصر بدأت منذ عصر الخصخصة، والسوق الحرة المفتوحة، وأكثرها بضغوطات وتوصيات صندوق النقد الدولي واتفاقات الجات، فجاءت في تراجع واضح لدور القطاع العام، وتغير في الطبيعة الاستهلاكية للشعب المصري، والذي تأثر بالعمل في دول الخليج، والطبيعة الاستهلاكية لهذه الدول، التي استوردت معها حبا، وولعا بعلامات تجارية أمريكية وأوروبية ويابانية، قد تحتاجها بالفعل الحياة الاجتماعية في مصر، وفي أكثر الأحوال، لا، وخاصة مع تراجع مستوى الدخل، وزيادة التضخم

أدى تراجع أدوار القطاع العام، وانهيار النظم التعليمية، والتدريب التأهيلي، والنقابات المهنية، إلى تراجع مستوى الآداء المهني والوظيفي للعامل والموظف المصري، بجانب البيروقراطية التي قتلت خلق قيادة مصرية ودم جديد، وقتلت فرصة الشباب المتميزة في الظهور لصالح ترتيب الدور الوظيفي، والوقوف في الطوابير، بجانب حقيقة الدخول المتردية التي أدت إلى لفظ المتميزين خارج البلاد كي ينعموا بالرزق الحلال، والاستفادة من الدخول والمرتبات العالية المعروضة في دول الخليج، وبعض فرص البحث العلمي، والدراسات في أوروبا وأمريكا وكندا

دخول الشركات المتعددة الجنسيات إلى السوق المصري كان طوق النجاة لكثير مما مضى ذكره من سلبيات سوق العمل المصرية، ففتح فرص عمل، بمرتبات مجزية، ووظائف وتخصصات مختلفة، وفرص للتدريب للقيادة أقوى من المتاحة في القطاع العام، والشركات المصرية، وفرص سفر إلى الخارج دون ترك كامل للبلاد، والاحتكاك بالجنسيات الأخرى، وفرص للترقي للشباب الجاد والمتميز، وكذلك أسليب ونظم إدارية وجودة راقية وعالية يحتاجها السوق المصري لرفع منظومة كفائة العمل

مع الوقت صار طموح الشباب المتخرج حديثا هو العمل في هذه الشركات، وأصبحت هي محط النظر الأول للعمل حتى قبل السفر إلى الخليج الذي سيطر على أذهان شباب السبعينيات والثمانينيات، حتى أواسط التسعينيات، وساعدت تلك الشركات في الحفاظ على المتميزين من أبناء الوطن الذين لا يريدون السفر إلى الخارج والبحث عن العيش الكريم داخل مصر، فكثرت مراكز تأهيل الشباب المهني للعبور من شروط الالتحاق بتلك الشركات، كتعلم اللغة الانجليزية، والحاسب الآلي، وكيف تكتب السيرة الذاتية، وكيف تجتاز المقابلة الشخصية، .. إلخ

وكذلك بدأ العاملون في هذه الشركات في التوجه نحو الدراسات التكميلية، والشهادات المعتمدة دوليا، كشهادات ادارة المشروعات، ومراقبة الجودة، وماجيستير ادارة الأعمال، مما فتح سوق للخدمات التدريبية كبير، لتغطية هذه الاحتياجات

وفي العشر سنين الأخيرة في السوق المصري، تجرأت شركات مصرية كثيرة لادماج أساليب العمل المتبعة في الشركات الدولية، وبدأ بعض رجال الأعمال المصريين في عمل علاماتهم التجارية وفتح أسواقهم الخاصة بناءا على خبرات قيادية اكتسبوها في هذه الشركات، فبدأنا نرى سلاسل لمحلات طعام مصرية تنتشر في مصر، وفي الخليج، وكذلك شركات خدمات مصرية واستشارات، تتخطى حدود الوطن للمنافسة على مقاولات في دول اخرى، وشركات اتصالات تتخطى القارة الافريقية، والمنطقة العربية إلى أوروبا وكندا

هذه الانتعاشة بالطبع لم تأتي غير مصاحبة لتغير في التركيبة الاجتماعية للمصريين، فقد بدأت معها تغير في لغة المصريين العاملين في هذه الشركات وطبائعهم، فأصبحت ترى كلمات اللغة الانجليزية تتداخل مع العربية في كلماتهم، وترى الواحد منهم لا يستطيع كتابة خطاب باللغة العربية على نفس جودة كتابته بالانجليزية، وكذلك حدث تذويب للهوية المصرية في هوية دوليةتفرضها طبيعة هذه الشركات، من ادبيات وبروتوكولات واتيكيت العمل الخاصة بهم

فأصبح هناك ترخص في قبول معايير اختلاط زائدة عن ثقافة المجتمع الأصلية، وطريقة استهلاكية للأكل والشرب، وطيقة صرف على مظاهر الترف واللباس مختلفة عن أصل العادات المصرية، بل وتواجدت وبنيت مجتمعات سكنية خاصة وخدمية خاصة لخدمة الطبيعة الاستهلاكية الجديدة لهؤلاء المصريين الجدد

ودخل هذا التأثر إلى وحياتهم الشخصية، فأصبح العطاء في العمل له الأولوية الأولى، وصار العمل والترقي المهني، ذو أولوية أولى في حياة العامل في هذه الشركات، فتأخر بسببه سن الزواج، وكذلك أصبح قضاء 15 ساعة في اليوم في العمل شئ طبيعي جدا، ولا مانع من الأخذ من أيام الراحة، لأنها صيغة النجاح والكد المضمونة، فأثر ذلك على رباط الزواج نفسه، فارتفعت نسبة الطلاق بين العاملين في هذه الشركات بالمقارنة بالعاملين في هيئات أو شركات أخرى

في الأسرة وتربية النشأ أصبح غاية أمل العاملين في هذه الشركات أن يتعلم أولادهم اللغات الأجنبية وطريقة الحياة الغربية، فزاد الطلب على المدارس الدولية، والمعاهد الخاصة والجامعات التي تدعم نظم تعليمية مستوردة من الخارج، وقبلها أولياء الأمور دون اهتمام بغرس القيم الدينية والوطنية في هذه الأعمار الحرجة، مما ذوب الهوية عند كثير من أبنائهم

أما عن الدور المجتمعي للعاملين في هذه الشركات، فقليل منهم الذي يشارك في فعاليات المجتمع بالنظر إلى الامكانيات المتاحة لخدمة المجتمع، وأكثرهم يكتفي باخراج المال في الظرف الذي يمر، ظانا من نفسه أن الخمسون أو المائة جنيه التي يضعها فيها نجاة المجتمع من حوله، بل ويستكثرها، بينما هو يدفع 400 او خمسمائة جنيه في فسحة يوم واحد في الكثير من الأحيان

وهذه الشركات تمنع الكلام في الدين والسياسة بين جدرانها، مما يؤثر على الثقافة السياسية والدينية للعاملين فيها، إلا قليلا منهم، وقد تتقبل أن يصلي من يصلي أو تتحجب من تتحجب طالما لا يؤثر ذلك على النظام العام للشركة

وأنا رأيي في ذلك أن هذا حق أريد به باطل، لأن من ينالون المناصب العالية في هذه الشركات يكونون في غالب الأمر متوائمين مع الثقافة العامة المقبولة في الشركة من الخارج، وخاصة ثقافة المقر الأم للشركة، والتي تمثل منظومة ثقافية قد تتفق، وقد تختلف مع هويتنا الأصلية، وكم من المديرين من تغير لأجل هذه المسئولية، ولمواكبة هذه الثقافة

وللأسف تعمق هذه الشركات مفهوم النجاة الفردية، والخلاص الفردي، تعمق مفهوم أنا وبعدي الطوفان، والأنا العالية، طالما أنا بخير، وأولادي بخير، فلا مانع أن تحترق الدنيا من حولي “اياكشي تولع”، والكثير ممن عمل في هذه الشركات أصبح لا مانع لديه من الهجرة للخارج، بل وفي سنوات الضباب الأخيرة خرج في معظم هذه الشركات شعار “نحكم عقلنا.. نهاجر كلنا”، ونسبة كبيرة من العاملين في هذه الشركات قدم طلبات هجرة، أو عمل في الخارج للخلاص من حال الوطن المتردي في الحقبة الأخيرة

للحديث بقية إن شاء الله