Daily Archives: 10 نوفمبر 2012

البيجامة: الشريعة والاباحية

القانون يأتي كضابط للعقد المجتمعي .. متمما لقواعد رسخها المجتمع بالفعل وتشربتها ثقافته، وارتضاها لنفسه، ثم يأتي القانون ليردع من يخرج عن هذا العقد الذي توافق عليه المجتمع ..

ونحن ندعو لاقامة الشريعة الاسلامية ونتمسك بكلمة شريعة “بدون اضافات” فنحن نستدعي نظاما متكاملا للتطبيق فلسلفة وتقنينا ولتحقيق مقاصد وتشريعا .. الشريعة طريق وليست حفنة من القوانين ولا يجب اختزالها في ذلك ..

وكان في الأثر عن الصحابة : “تعلّمنا الإيمانَ قبل القرآن، فلما قرأنا القرآنَ ازددنا إيمانا”

ولقد علمنا في طريقة تطبيق رسولنا صلى الله عليه وسلم التدرج بالمجتمع .. فنهاية الخمر كانت مرحلية، وتشريع الحجاب كان مرحليا، وكذلك الكثير من الأحكام… التي أصبحت الآن مسلمات، وثوابت في الاسلام معلومة من الدين بالضرورة، ولكن يبقى حد القدرة وتمهيد الأرض والمجتمع لقبولها سنة عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، وتعطيل هذه المنظومة إذا لم تكتمل للمجتمع ظروف التطبيق .. ولنا في عام الرمادة وتعطيل حد السرقة فهما صريحا من عمر بن الخطاب ..
وقول عائشة رضى الله عنها .. “إنما نزل أول ما نزل من القرآن من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الاسلام نزل الحرام والحلال، ولو نزل أول شئ لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل ولا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا”

وفي أوقات يكون تأجيل فعل أو تأخيره هو المصلحة، كما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الكعبة واعادة بنائها على هيئتها، لأن القوم “حديثو عهد بجاهلية”

ومع ذلك فاقرار الشريعة كاملة يجب أن تأتي أولا، وفي كل وقت، بالتسليم الكامل لصلاحيتها في كل زمان ومكان، والتسليم بأحكام الله في عباده وأن له الخلق والأمر، كعقد اجتماعي يتحدد به ملامح المجتمع المسلم، وأي التفات عن ذلك يعتبر ردة أو كفرا .. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة إذ لم تبدأ التشريعات إلا على مجتمع قبل بـ”لا إله إلا الله” بداءة .. حتى وجد مجتمع يثرب “المدينة المنورة” .. ومن بعده أبو بكر الذي حارب المرتدين عندما التفتوا عن حدود الله وقولته الشهيرة “والله لو منعوا عني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه” ..

كمال التسليم للشريعة هو محدد المجتمع المسلم الذي يدرك أن مصدره الوحيد في التشريع هو ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

ولما سبق .. فاجتزاء الشريعة لأحكام أو لمبادئ .. والفرح بتطبيق حد من الحدود أو قانون من القوانين دون الالتفات إلى أنه منظومة كاملة وفلسفة شاملة يجب أن يقوم الحاكم والمجتمع بواجبهم أولا تجاهها قبل تطبيق هذه التشريعات أو القوانين هو فهم خاطئ للشرع ومنطلقاته ومبادئه وفلسفته واختلالا لأحكامه .. حتى يصير تطبيق القانون المنصوص في الشرع هو الهادم للشرع ذاته في نفوس الناس إجلالا .. ويكون هو آداة الاستبداد والظلم .. ويصير تطبيق القانون أو الحكم هو الاجتزاء أو “الايمان ببعض الكتاب والكفر ببعض” ..

أذكر ما سبق في سياق تطبيق الرقابة على الانترنت ومنع المواقع الاباحية، وكما ذكرت من قبل في قانون التحرش .. ما هي المنظومة البديلة التي يقدمها المجتمع للشباب ؟؟ وما هي أماكن أو طرق تفريغ الطاقات المشروعة؟ وما هي الثقافة الجنسية البديلة ؟ وهل من يطبق الحكم يرى أنه يقيم حدود الله ؟؟

فكما تكلمنا عن أن الجو ليس ممهد لمنع التحرش بقانون فالأرض ليست ممهدة أيضا لمنع الاباحية بقانون .. فستخرج الاباحية من خلف الشاشات للشوارع في غياب توفير البدائل التي تشغل الشباب بالمفيد وانتشار قيم الانحلال والمخدرات والاعلام الفاجر ..

لا أدافع عن المواقع الاباحية، ولكن تصدر هذا الحكم قبل صنع البدائل وتمهيد صحيح للجو ..
هو اخلال صريح بفهم الشريعة الاسلامية وقد يستخدم ضدها ..

وكموقف شخصي .. أنا سعيد أن أبنائي – في حال تطبيق هذا القانون – لن يروا المواقع الاباحية ولن يسهل لهم الولوج لها إلا أن يفتعلوا البحث . وأرى أن الصالح العام في حدوث ذلك بأسرع وقت، ولكن حتى لا ننتكس تمهيد الأرض مطلوب

أفيقوا ورتبوا أولوياتكم .. وليس في الموضوع أي مكسب استراتيجي في تطبيق الشريعة في حالة عدم تمهيد الأرض لاستقبال مثل هذا الحكم

استقيموا يرحمكم الله .. القانون لم يكن أبدا الحل ..