Daily Archives: 14 نوفمبر 2012

الاسطورة

الاسطورة

دا بادج الزائر بتاعك – لازم تفضلى لابساه و تسلميه و انت خارجة – قالها الحارس و هو يفتح لى بوابة دخول الزائرين

علقت بطاقة التعريف فى ياقة الجاكت – و تركت الحارس يقودنى و يشرح لى تعليمات التواجد فى المكان: السجين اللى طلبتى مقابلته هو أخطر الموجودين فى هذا السجن و اقدمهم أيضا – عشان كدا مش هتقعدى معاه فى نفس الغرفة و هتعملى اللقاء معه من خلال حاجز زجاجى غير قابل للكسر – و هتكلموا بعض خلال تجهيزات صوتية معدة لهذا الغرض

دخلنا سويا غرفة صغيرة فيها مكتب صغير و كرسى – و كل التجهيزات التى ذكرها الحارس

قال لى مشيرا الى المكتب: اخر حاجة هاوريهالك الزر الأحمر ده خاص بجرس الاستدعاء – لو حصل اى حاجة تستخدميه و الامن هيجيلك فورا

قلت له: مش شايفين ان دى مبالغة؟ و هو ايه اللى ممكن يحصل مع كل التحصينات دى؟

رد على قائلا: ما تستهونيش بالسجين دا بالذات – الكل بيخاف منه و بيحاول يتفادى التعامل معاه – لما باقرب منه باحس انه عينيه بتخترقنى و انه بيتحكم فى – بصراحة مش عارف انت ايه اللى جبرك على المقابلة دى – خدى بالك من نفسك

بعدما غادر الغرفة جلست على الكرسى المواجه للحاجز الزجاجى أنتظر

دخل الغرفة المقابلة و جلس على الكرسى المواجه لى – شعرت بالبرد يغزو أطرافى – ليست أطرافى فقط بل أشعر بقلبى نفسه تكسوه الثلوج – لا أعلم هل هذا بسبب الخوف أم الترقب – شعرت أننا نجلس فى فراغ من العدم معا – لا أحد معنا و لا صوت و لا حركة – ثم التقت عينانا

تماما كما تصفه الكتب – البشرة الغامقة – الشفاه الممتدة للامام و الاذان الطويلة نوعا ما – بدأت لقائى مع ست – اله الشر – رمز الشر – أو الشر نفسه

أنا: أنا عايزة أشكرك على انك وافقت على المقابلة دى

لم يرد

أنا: أنا باعمل دراسات عن القصص القديمة فى العالم و تأثيرها على الفكر و الثقافة – القصة بتاعتك مكتوبة فى حتت كتير – بس أنا كنت عايزة أتكلم معاك

ست: لما انت قريتى الحكاية عايزة منى ايه؟

ابتلعت الكبسة و قلت: الكتابات كلها بتشرح بالتفصيل مشاعر ايزيس لما انت قتلت زوجها اوزوريس و بتحكى محاولاتها لاسترجاع جسده و أد ايه تعبت فى تربية حورس – دا حتى موجود أسماء الاماكن اللى زارتها و راحت فيها و الناس اللى ساعدوها – انما انت مافيش اى حاجة بتشرح مشاعرك أو دوافعك – كائن موجود فى الظل على طول الخط – كأنك حاجة خارجية زى العواصف و الرياح – بتحصل و احنا نتصرف برد فعل – مش انك كنت جزء من واقع ايزيس و اوزوريس و حورس بيتفاعلوا معاه و بيأثروا فيه زى ما هو بيأثر فيهم – عايزة أعرف ست اكتر و ازاى بقى رمز للشر

ست: يعنى ايه شر؟

أنا: كل الافعال السيئة اللى بتضر الناس أو المجتمع سواء ضرر نفسى أو جسدى أو مادى أو فكرى

ست: ازاى ممكن تقيسى السىء و الصالح؟

أنا: فيه معايير عمرها ما بتتغير – معايير القيم و الاخلاق و المثل اللى موجودة فى الكتب السماوية – دى مافيهاش خلاف – مثلا القتل شر و افساد المال العام شر

ست: الكتب الدينية بتقول ايه عن النبى موسى و الخضر؟

أنا: سيدنا موسى كان معترض على القتل و على افساد السفينة – فى حين ان سيدنا الخضر عمل كدا لاسباب منطقية – قتل الشاب لانه كان هيبقى فاسد لما يكبر و كسر السفينة عشان يعيبها و ما تتاخدش غصب من الناس الغلابة

ست: لسه شايفة القتل و الافساد فى القصة دى شر؟

أنا: لا طبعا – خير

ست: و ايه اللى فرق؟

أنا: النية أو الهدف المقصود

ست: بس القتل لسه غلط

أنا: بوجه عام غلط – انما مش غلط فى القصة دى

ست: يعنى ما ينفعش نحكم على الخاص بالمطلق لان فيه فرق – موافقانى؟

أنا: بس ما نقدرش نقول ان كل الشر اللى فى الدنيا كدا – أنا مش قادرة أصدق ان نفس العقل البشرى اللى بيخترع و بيبدع و بيألف كتب و مزيكة هو نفسه اللى بيتفنن فى تعذيب الناس أو الارهاب أو الاحتكار أو الاضطهاد – دى كلها حاجات لما بتحصل بنقول عليها ياااه لا يتخيلها عقل – فى حين ان عقل المجرم قدر  يتخيلها و ينفذها – أكيد دول ناس مختلفين

ست: لا مش مختلفين و لا حاجة – دول ناس عاديين زيك اتحولوا لناس شايفين ان الشر شىء منطقى و له مسبباته

أنا: ايه دا الكلام الغريب دا – أنا مش ممكن أبقى زيهم

ست: بيتهيألك – فى العصور الوسطى اى واحدة ست كانوا بيشكوا انها ساحرة كانوا بيحرقوها – دا شر و الا مش شر – تعرفى ان الدافع ورا دا كان اعتقادهم ان الساحرات دول وسطاء الشيطان للوصول للانسان – يعنى الشر كان محاولة لدرء الشر – و الاهم من كدا ان اللى كانوا بينفذوا احكام الاعدام أساسا كانوا ناس كويسين و متدينين مش مجرمين

أنا: برضه دا مش شىء نقدر نعممه لان عندنا معايير

ست: و مين قال لك ان المعايير نفسها ما بيتلعبش فيها؟ أوروبا قتلت و هجرت ملايين اليهود – و مارست عليهم أشكال و ألوان من التعذيب – الموضوع دا شارك فيه المؤسسات الحكومية و الدينية و الشعب كمان – هل كان كل دول حرين فى اختيارهم مع الوضع فى الاعتبار ان أفكار معاداة السامية كانت فى عزها فى الوقت دا – كان بيتزرع فى الاطفال فى مناهج المدرسة و فى القصص ان اليهود جنس شرير عنده مخطط شرير للاستحواذ على الموارد الاقتصادية – يعنى الجموع كانت بتتخلص من جنس شرير – نفس اليهود اللى اتهجروا و اتعذبوا بيعملوا دلوقت نفس الكلام فى الفلسطينيين – و الفلسطينيين بيحاربوا بعض فى خناقات فردية ما بيروحش ضحيتها غير الغلابة اللى فى غزة – تقدرى تحددى مين من أطراف القصة دى طيب و مين شرير؟ و هل المعايير كانت ثابتة ما بينهم؟ و هل رؤية مسلم أو يهودى للاحدلث دى متشابهة؟

أنا: أنا لو مشيت معاك كدا هاوصل ان مافيش شر فى العالم خالص – أمال ازاى نحكم على الناس

ست: مش المفروض نحكم على الناس لاننا مش هنعرف – احنا ما نعرفش الدوافع الحقيقية و ما اتعرضناش لغسيل المخ اللى هم اتعرضوا له اللى أفسد قدرتهم على الاختيار الحر – عمرك ما هتحكمى على حد بمنتهى العدل غير لو تقمصتى شخصيته و بقيتى هو و عشتى نفس عيشته

أنا: يعنى ايه أفسد الاختيار الحر؟ الانسان حر فى اختياراته – و جواه فطرة يقدر يميز بها

ست: انت جيتى لاله الشر تسأليه – و أنا باقول لك الحقيقة اللى ماحدش عايز يعترف بها – قدمى الشريط شوية – لما بن لادن اختفى و ماحدش عرف يلاقيه كان لازم يتحط وش تانى للارهاب – صدام حسين – الشعب الامريكى وصل لمرحلة قبول ان دولة معقل الديموقراطية و حقوق الانسان ممكن تشن حرب هجومية لابادة شعب شعب – و اللى فى مخ الافراد أو الجيش اللى رايح يحارب ان دا صح و انهم بيحموا بلدهم من 11سبتمبر تانية – الموضوع أصبح انهم فكرة بتحارب فكرة مش حرب بين أشخاص بتخلى انسان يقتل انسان – الانسان كفرد داب مع غيره فى الفكرة و دابت معاه حرية الاختيار – و بيمشى فى اتجاه الطوفان غصب عنه

أنا: اللى انت بتقوله ان الشر كدا غلطة المجتمع – يعنى عايزنا نروح نحاسب المجتمع؟

ست: أكيد فى الحالة دى الشر مش مسئولية الافراد – ما ينفعش تدوبيهم وقت التنفيذ و تفرطيهم وقت الحساب

أنا: اللى انت بتقوله دا شىء مخيف جدا – معناه ان الاشرار مش مختلفين عنى – اللى اختلف هو الظروف اللى تسببت فى تحولهم – يعنى أنا كان ممكن أبقى هم – دا شىء فظيع مش عايزة أصدقه

ست: و دا نفس اللى بيحصل فى الدول العربية – الدين اتلبس صورة ارهابية كريهة و اتفتح له السكة يوصل للسلطة – و الجموع ماشية بتكفر كل من يخالف – و العالم مترقب بيرضع من صغره ان الدين اللى جاى من المنطقة دى ارهاب – العرب ممكن جدا يلجأوا للعنف دفاعا عن الدين لانهم شايفين دا صح – و العالم برضه ممكن يلجأ للعنف دفاعا عن نفسهم ضد الارهاب و شايفين ان دا صح

أنا: طيب و التصرفات الفردية – الناس اللى بتحتكر السوق و القتلة و المغتصبين و….

ست: و ليه ما ما تحطيش افتراض المرض النفسى و الا العقلى – أو احتياجات غير مسددة – زى الجرائم اللى بيرتكبها الفقراء بسبب فقرهم

أنا: أمال ربنا ليه قال فى الكتب السماوية ان فيه قيم و فيه صح و غلط؟ ايه لازمتها لو مش هنستعملها فى العدالة؟

ست: ربنا قال لك فى الكتب السماوية الصح المطلق و الغلط المطلق – بس قال استعمالها يبقى بشروط يتم عن طريقها تقييم التصرف و ليس تقييم الانسان و يتم كمان اصلاح ما تم افساده – و كمان ارساء قاعدة ان الدنيا مش فوضى

أنا: بس دا معناه ان مافيش عدالة مطلقة – لان الصح المطلق و الغلط المطلق ممكن يتشرحوا بشكل غير محايد و بالتالى ما يبقاش مطلق – و حتى حكم المحكمة ممكن يمكن قاصر بسبب العجز عن معرفة كل الظروف المحيطة

ست: طبعا – العدالة المطلقة عند الله فقط – هو الوحيد اللى يقدر يقيم الانسان بحياته كاملة و بظروفه و بالمعايير اللى اخد عليها قراراته – اتلعب فيها و الا لا – و يقدر يحكم هل الشخص دا اخد حقوقه كاملة بحيث اختياره يبقى فعلا حر – الحقيقة ان الانسان حكمه دايما منقوص و قاصر – و أكبر جريمة هى عدم اعترافه بهذا – الانسان بيتستهل الحكم العام على الناس انهم أشرار مع ان اللى بيعمله دا قمة الظلم و الشر

أنا: أنا كدا أفهم ان كل شر أو غلط لازم يبقى وراه انتكاس للفطرة بطريقة أو بأخرى

ست: الانسانية بترتكب جريمة فى حق المثليين لما بيتعاملوا معاهم على انهم فاسقين و ملعونين و بيحرموهم من فرصة العلاج برفضهم و اقصائهم – المثلية مرض نفسى ناتج عن عدم اكتمال النمو الجنسى – و كل واحد يقعد يفتى و يقول لا دا هم بيحبوا كذا و كذا و هو عمره ما كان فى مكانهم فبيتكلم من غير أساس – مش ممكن القسوة – لما واحد بدل ما نساعده نحدفه بالطوب – بذمتك فى الحالة دى مين الطيب و مين الشرير؟

أنا: أمال ربنا هيحاسبنا ازاى؟

ست: انت مالك ربنا هيحاسبنا ازاى – و مالك بغيرك أصلا – انت عليكى تطلبى المساعدة من الله و تشغلى مخك و تعملى اللى تقدرى عليه

أنا: هو انت ازاى اله الشر و بتتكلم عن الله و عن الدين؟ و ازاى بتدافع عن الانسان كدا؟ انا حاسة ان فيه تناقض فظيع

لم يرد – و لكن ابتسم

أنا: أنت كدا شككتنى – معقول ممكن انك تكون ضحية فكرة؟ أو سياسة أو طمع فى السلطة؟

اتسعت ابتسامته و لكن لم يرد

أنا: من فضلك ما تسيبنيش اكل فى بعضى من غير اجابات – معقول سرد حكايتك ما يكونش محايد؟ و الا انت قتلت اوزوريس دفاعا عن النفس؟ و الا انت مريض؟ هل كانت بيجيلك نوبات جنون؟ هل انت مظلوم؟ ازاى اله و تتظلم كدا؟

نهض قائما و قال: أنا ملك حكمت فترة من الزمان – و زى غيرى أصبت و أخطأت

أخذت أصيح به: يعنى ايه؟ يعنى اسم اله الشر دا مش صحيح؟ دا اسم طلعوه عليك كدا و خلاص؟ من فضلك – أنت لخبطت لى الدنيا – مابقاش عندى أبيض و اسود – لازم تفهمنى ازاى هاقدر أعيش

قال و هو يستدير: انت دلوقت تعرفى كل اللى محتاجة تعرفيه – مافيش أبيض و اسود – مش هترتاحى غير لما تعترفى ان مافيش غير الرمادى و ان ربنا خلقك عشان ما تشوفيش غير الرمادى – و لما تعترفى انك مش فاهمة حاجة خالص و عمرك ما هتعرفى كل حاجة – و ان الخلاص هو اللجوء لله فقط – ساعتها هتخلصى من السباق المحموم بتاع مين هيقدر اكتر يميز الابيض و الاسود – و مين يعرف اكتر – و ميم هيقيم مين و مين أحسن من مين – السباق الفاشل اللى ماحدش عارف مين بدأه و لا هدفه ايه

خرج من الغرفة و تركنى

اختلطت كل الامور فى رأسى – و لا أعلم هل هذا الاختلاط بسبب ما عرفته من ست أم بسبب ما سبق لى أن عرفته – ألملم أوراقى و أغادر السجن – ماذا أكتب فى بحثى – كنت أهدف لمعرفة تأثير الاساطير على الثقافة و الفكر فاذا بى أكتشف حقيقة لم أسع لمعرفتها و لم أتوقعها – لم يعد هناك أبيض و أسود

كل صباح أقرأ الجرائد و أتساءل – هل هذا السياسى يهدف للصالح العام أم هو انتهازى فاسد؟ هل رجل الدين حقا يعلم الصواب أم أنه يعلمنا نسخة من المعايير وضعها هو من منظوره هو أو ربما وضعت له؟ هل هذه السيدة على حق فى دفاعها عن القضايا الانسانية أم أنها غبية لا ترى الحقيقة؟ هل مجرم القتل المتسلسل شرير أم مريض أم ضحية؟

كل ليلة أفكر كيف كنت أعيش فى أسطورة تخيلتها واقعا – سقطت الاسطورة و الان أعيش فى الواقع – قد تكون هذه هى الراحة – فى اللون الرمادى – لا أعلم – و لن أعلم الا ما أراده الله لى

 منال علام

 

 

البيجامة: عن قضاة مصر – أشياء لا أفهمها

لا أفهم ولا أرضى في القضاة “الأقدمية” مع اليقين من وجود قدرات شابة قادرة على منافسة الكبار في سعة العلم والفقه .

ولا أفهم “التوريث” لماذا ابناء القضاة وهم قد يكونوا غير أكفاء ..

ولا أفهم “الحصانة” التي تمنع مساواة الناس أمام القضاء حسب رتبهم المدنية ومناصبهم..

ولا أفهم “الاستثناءات وعدم الاختصاص” كالقضاء العسكري الذي لا يتبع المؤسسات القضائية للدولة ..

ولا أفهم التطويل والمط والتسويف في إعطاء وايفاء الحقوق للناس …

ولا أفهم الحكم بغير ما أنزل الله ..

عن قضاء مصر أتكلم